مافيا الرمــــــــــــــال إلى أين؟

31/07/2014 - 15:54

 
 
تقتحم "البلاد" عالم مافيا الرمال والبارونات المسيطرة عليه والتي تستغل هذه الأيام سكينة الشهر الفضيل وركون مصالح الامن المختلفة التي تعمل على مستوى الحواجز الأمنية المنتشرة على مستوى الطرقات الوطنية إلى أخد قسط من الراحة بسبب الصيام لتقوم بعملياته الإجرامية في حق أجمل الشواطئ الوطنية لتفقدها عذريتها أمام مرأى السلطات العمومية.
أثرياء يزدادون ثراء يوما بعد يوم أسسوا لأنفسهم عالما مبهما كل شيء فيه مباح، وقليلون جدا من يعرفون خباياه التي يقف وراءها بارونات الرمال، الذين يعملون في الخفاء بعيدا عن أعين الرقابة والردع، مؤسسين بذلك مملكتهم الخاصة وعالمهم الخاص، غير أن العارفين بهذا العالم لا يستطيعون البوح بأسراره خشية تعرضهم لسخط مافيا الرمال التي زرعت الرعب في أوساط المواطنين، و شكلت   سلطة أخرى لا تقل خطورة عن بطش بعض المجرمين والجماعات الإرهابية التي تنشط على مستوى الجبال، لاسيما إذا علمنا أن هناك علاقات متينة تربط بينهما تحركها المصالح الخاصة، محولة بذلك مجرد محاولة الاقتراب من مافيا الرمال إلى اقتراب من الجحيم وتعريض حياتهم وحياة أولادهم للخطر، تحركات مافيا نهب الرمال تبدأ بمجرد أن تغرب الشمس وتمتد خيوط الليل بظلامه الدامس وأحيانا يستغل وقت الإفطار، حيث تدب حركة غير عادية يتجمع فيها أعداد كبيرة من الشباب البطال في انتظار ساعة العمل، وبعد لحظات تتحول الشواطئ والوديان إلى ورشة كبيرة لاستخراج الرمل ونقله، حيث تبدأ كل المسالك في النشاط من شاحنات وجرارات وشاحنات من مختلف الأشكال والأحجام، وتستمر العملية حتى بزوغ فجر اليوم التالي لتتوقف الحركة مخلفة وراءها مئات الأكوام من الرمال التي لم يتسن لهم حملها، وكذا مئات الخنادق التي ترتبت عن استعمال الجرارات وشاحنات الوزن الثقيل وتتحول الكثير من الورشات المتواجدة على مستوى قارعة العديد من الطريق الولائية والوطنية إلى أكوام كبيرة من الرمل بمختلف أنواعه، وكأن الأمر مشروع ولا يعدو أن يكون عملا عاديا يدفع عن هؤلاء شبح البطالة، ولكن ذلك في واقعه يحتمل أكثر من حقيقة، وهو ما اكتشفناه ونحن نغوص في هذا العالم المليء بالخبايا والتي تختفي وراءها رؤوس كثيرة تأبى إلا أن تشتغل في الظل، يطلق عليها اسم "بارونات الرمال" التي حولت الشواطئ والوديان إلى مصدر يدر عليهم ثروة طائلة ووسيلة لفرض النفوذ يستغلون فيها شبابا فر من البطالة تم إغراؤه بالمال، ليشتغل عندها في ظروف تغيب عنها أدنى شروط العمل المطلوبة، مشتركا معها بهذا في تشويه الطبيعة مقابل مبالغ زهيدة لا تسمن ولا تغني من جوع، فالبطالة دفعت شبابا للتوجه إلى الوديان و العمل مع "مافيا الرمال" الذين فرضوا عليهم قواعدهم وأجبروهم على اتباعها والنتيجة كانت كارثة بالنسبة للسواحل، إذ يكفي أن تقوم بزيارة خفيفة إلى العديد من شواطئ الوطن الجميلة على غرار شواطئ سكيكدة وعنابة والطارف وتيزي وزو وبومرداس حتى يتبين مدى درجة الجشع التي يتسم بها "بارونات الرمال" وكيف يغتالون الطبيعة دون أدنى تفكير بمخلفات ذلك على الأجيال القادمة، كما أنهم لا يضعون في حسبانهم إلا ما تدره شاحناتهم من أموال والتي تصل إلى 6 ملايين سنتيم، يوميا إذا كان مصدر رمالهم الوديان، في حين تتجاوز 10 ملايين سنتيم إذا تعلق الأمر برمال البحر المتميزة بصغر حبيباتها، مما جعل هذا النوع مطلوبا بكثرة في السوق، وتتكرر العملية طوال الليل ولا يتوقف هؤلاء عن نهب الرمال إلا بطلوع شمس الصباح أو توقيفهم من طرف مصالح الأمن، لكن نادرا ما تكلل مطاردات مصالح الأمن بتوقيف أصحاب هذه الشاحنات، لأنه غالبا ما يقع في يدي الأمن ناقلو الرمال، وفي مرات قليلة الأشخاص المكلفون بالحراسة لأن مافيا الرمال تستعمل عتادا وشاحنات دون وثائق، ولا يكتشف أمرها إلا عند مديرية النقل من خلال رقمها التسلسلي غير المسجل أو غير المصرح به، الأمر الذي يصعب من مهمة مصالح الدرك لتمكين الناهبين من الإفلات.
إن استمرار عمليات استنزاف رمال الشواطئ والوديان أضحى يهدد بأزمة بيئية قد تعصف بالولايات المعرضة لنهبها، لاسيما أن ملامحها ما فتئت تظهر في الأفق معلنة عن كارثة ستمتد إلى ميادين أخرى أكثر ارتباطا بالإنسان على غرار المياه الصالحة للشرب والتي تتعرض يوميا للتلوث وتزداد ملوحتها بازدياد عمليات النهب، والتي أثرت بشكل مباشر على المساحات الزراعية التي تسير نحو التقلص، حيث تشهد أغلب الشواطئ والوديان الساحلية وضعية كارثية بسبب اختلال توازنها البيئي بفعل عمليات التعرية التي مست رمالها، حيث تقلصت المساحات الزراعية الواقعة بمحاذاتها، وتعرضت بعض الحقول الخاصة بإنتاج الخضر والفواكه للتلف مباشرة بعد انجراف تربتها، خصوصا على مستوى الوديان التي تعرضت للتعرية من رمالها، الأمر الذي أفقد الطبقة السطحية للمياه صفاءها متأثرة بغياب الطبقة الرملية التي تعمل كمصفاة طبيعية.
وما زاد الطين بلة هو زحف مياه البحر بعد نهب الرمال تجاه الأراضي الزراعية، مؤدية إلى زيادة ملوحة المياه الجوفية وإضعاف خصوبة الأراضي المجاورة للشواطئ، حتى أصبح تعويض الرمال التي تنهب يوميا يتطلب آلاف السنين.
 يتخذ ناهبو الرمال طرقا عديدة لاستنزاف رمال الوديان والبحار، يعمدون إلى تغييرها كلما كشفتها مصالح الأمن، فهم لا يعدمون الوسيلة لتحقيق مآربهم والتي تصل في أحيان كثيرة إلى وضع حد لحياة كل من يقف في وجه نشاطاتهم، حيث يركزون في نقلهم للرمال على إطفاء الأضواء عند السير ليلا وإشعال ضوء واحد فقط لإيهام مصالح الدرك الوطني أن الأمر يتعلق بدراجة نارية، وإن كان ذلك غالبا ما يؤدي إلى حوادث مرور خطيرة يذهب ضحيتها أصحاب العربات المقابلة الذين لا يتمكنون من رؤية الشاحنات، كما يتخذ هؤلاء مسالك ترابية وسط الغابة دون خشية فهم يعمدون إلى كراء طرق وسط أراضي زراعية تابعة للخواص.
وبالرغم من التدابير المتنوعة التي اتخدتها مصالح الدرك الوطني لإيقاف استنزاف الرمال ومعاقبة المعتدين على الثروة الوطنية الهامة، إلا أن مافيا الرمال وسماسرة التهرب الضريبي لا يزالون ينوعون في أساليبهم لتحقيق أهدافهم وهذا دون عناء ولا تكلفة كبيرة، حيث تعرف مناطق عدة مساحات كبيرة معراة من الرمال حيث تعمل بارونات الرمال على تنظيم عملية النهب ليلا  قصد بيعها للمواطنين ومؤسسات البناء المنتشرة داخل اقليم الولايات وخارجها. وتبقى عملية نهب الرّمال من شواطئ الولايات الساحلية للوطن مستمرة بطرق وأساليب متعددة وفي فترات زمنية محدّدة، إذ تبدأ هذه الشبكات نشاط سرقة الرّمال من الساعة الثانية بعد منتصف الليل إلى الرابعة صباحا، حيث تستعمل أراض فلاحية لتخزين الرمال حتى يتم نقلها عبر الشاحنات إلى أماكن آمنة للإفلات من مصالح الأمن، ويتلقى هؤلاء الشباب مقابلا ماليا مغريا من قبل رؤوس العصابات التي جعلت بعض السواحل مشوّهة مقابل جني أموال معتبرة، وقد تكون الوسيلة التي تنقل بها الرّمال المسروقة هي العربات أو جرارات أو شاحنات مختلفة الاحجام.
 ناهبو الثروة الرملية لا يعرفون من شهر الرحمة إلا الأكل والشرب وملء البطون واستغلال الشهر الفضيل لتنفيذ أعمالهم الإجرامية في حق الإنسان والطبيعة ن فكيف لا وهم ينهضون لتناول وجبة السحور ثم يدعون الله بالمغفرة وتقبل صالح الأعمال وتقبل الصيام والقيام ويتوجهون مباشرة نحو الإجرام  بنهب الشواطئ والوديان العذراء والجميلة في شهر الرحمة، فمن ينقذ الطبيعة من مخالب هذه العصابات الإجرامية؟ وإلى متى يستمر بطش هذه الجماعات المافياوية في حق الطبيعة والإنسان؟