حي بوعمامة بوهران... قصة حي عنوانها: البؤس، التهميش والمعاناة

10/03/2014 - 22:03

لا شيء يوحي بأنك في حي يقع في عاصمة الغرب الجزائري الباهية وهران، هكذا فضل أحد سكان حي بوعمامة الكارثي أن يبدأ في سرد معاناة السكان بهذا الحي أوحي بن طلبان أوالحاسي، كلها أسماء لهذا الحي الذي لا تشير إليه البوصلة ولا موقع له في خرائط واهتمامات السلطات المحلية بوهران.
فالسكنات الفردية بهذا الحي التي تبلغ قيمتها أحيانا في سوق العقار المحلي الملايير تباع بتصريحات بيع "شرفية" رغم ارتفاع قيمتها ومواقعها التجارية المغرية، كل ذلك بسبب مشكل يعاني منه السكان منذ عقود، على ذكر المتذمرين القاطنين هناك،   الذين بحت حناجرهم من المطالبة بعقود الملكية بل ومات بعضهم دون أن يتمكن من هذه الوثيقة "الحلم" والتي أصبحت ربما "كالفيزا" أو تأشيرة لدخول الجنة كما عبر السكان الساخطون على السلطات المحلية خاصة بلدية وهران الكبرى التي لاتزال تتماطل في تمرير مداولة في مجلسها الشعبي البلدي الذي رفض أن يتحمل مسؤوليته تجاه الأحياء والتوسعات العمرانية التابعة لهذه البلدية التي كبرت جغرافيا لكن مسؤوليها مازالوا لا يصدقون ذلك وفي مخيلتهم أن وهران 2014 لاتزال مثل وهران 1974، يقول أحد المواطنين، إذ لا يمكن للمواطنين بيع منزل في حي بوعمامة لأنهم لا يملكون عقود ملكية رغم أن تلك العقارات تم توزيعها من طرف الوكالة العقارية لوهران منذ نحو 30 سنة كاملة لم يكف الأوصياء والمدراء الذين تعاقبوا و"تهافتوا" عليها لتعذيب السكان وتكريس بيروقراطية، فالقاطن في حي بوعمامة يبقى رهينة الانتظار الذي يطول لعقود من أجل الحصول على عقد ملكية لسكنه فلا يمكنه بالتالي بيع سكنه أو التصرف فيه أو ليس باستطاعة حتى الولد تحويل العداد الكهربائي باسمه بعد وفاة أبيه أو أمه، مثلما هوحال "الطاهر" الذي صادفناه، وذلك بسبب انضمام "سونلغاز" بدورها الى قائمة الهيئات والسلطات التي عذبت ولا تزال تعذب السكان منذ عقود رغم الشكاوى والرسائل ومقالات الصحف المحلية والوطنية والجهوية وغيرها. وتطالب سونلغاز سكان الحي بعقد الملكية لسكناتهم كي يتم تسجيل العدادات الكهربائية بأسمائهم، رغم علم القائمين عليها بانعدام عقود الملكية بهذا الحي الذي مازالت السلطات المحلية تعتبره فوضويا بالرغم من أنه مسجل ضمن أحياء بلدية وهران الكبرى، رغم ترسانة التعليمات آخرها التي تحمل ترقيم 2013 و2014، التي تشدد على ضرورة التسريع من وتيرة التسوية العقارية لهذه الأحياء والتوسعات العمرانية التي لم ينشئها السكان بل رسمت خرائطها أول مرة في إدارات الوكالة العقارية ومديرية أملاك الدولة والمصالح التقنية التابعة لبلدية وهران، وهكذا بقى السكان يتخبطون في دوامة لا بداية ولا نهاية لها، إذ تطالبهم مؤسسة سونلغاز بعقود الملكية من أجل تسوية مسألة تغيير اسم العداد الكهربائي إلى الورثة بعد وفاة صاحب المنزل، مما يحرم الأبناء بعدها من شهادة الإقامة التي يتم استخراجها بواسطة فاتورة الكهرباء التي لا بد أن تحمل اسم الشخص المعني أو لقب العائلة ويضطر بعدها أصحاب المنزل الفردي لبدء رحلة العذاب ذهابا وإيابا إلى مقر وكالة تسيير وتحسين وتطوير السكن "عدل". ويتفاجأ أصحاب القطع الأرضية هناك برد صاعق لمسؤوليها أثناء الاستفسار عن سبب تأخر تسليم عقد الملكية رغم أن معظم السكان حلوا بالحي منذ 1989 "هل اشتريت منزلك من أحدهم؟" "ويبدأ الشك بعد ذلك وتظن أنك ربما اقترفت خطأ جسيما وذنبا قد يدخلك جهنم عندما اشتريت منزلا ليس فوضويا بل شرعيا في حي بوعمامة"، يقول أحد السكان.
 وهكذا يبقى المئات من السكان في دوامة لا تنتهي ويضطر العديد منهم في ظل هذا الوضع للاستعانة بشبكات تزوير شهادات الإقامة، ورغم تنصيب الوالي السابق والوالي الحالي للجان قيل إنها كلفت بتسوية عقود الملكية ببلديات وهران، إلا أن بلدية وهران تبقى تصنع الاستثناء دائما.
 
سعاة بريد ومحضرون قضائيون يعلقون التبليغات والمراسلات على الجدران 
وفي ظل هذه الوضعية، أصبحت مصالح الدرك الوطني وسعاة البريد والمحضرون القضائيون يجدون صعوبات كبيرة في العثور على العناوين في هذا الحي بسبب انعدام منظمومة بريدية وعناوين لمنازل هذا الحي المنسي منذ 30 سنة خلت، ويتيه الدركيون وعناصر الأمن في أثناء بحثهم عن متابعين أو لتبليغ استدعاءات الالتحاق بالخدمة الوطنية بسبب عدم تسمية شوارعه أصلا، مما جعل الحي ملجأ وقبلة للمتابعين قضائيا والمبحوث عنهم، وهكذا يتيه أيضا سعاة البريد الذين أصبحوا يرفضون التنقل إلى الحي لإيصال المراسلات، مما جعل عجائز الحي وعجزة الحي من أصحاب المعاشات يتيهون بدورهم للحصول على مراسلاتهم الضرورية مع صناديق الضمان الاجتماعي الوطنية والأجنبية التي تطالبهم بوثائق سنويا لمعرفة إن كانوا أحياء أم أمواتا إذ غالبا ما لا يعلم الضحايا بأن تلك الهيئات أرسلت لهم رسائل ليتم بعد فترة قطع معاشاتهم.
 أما حال الطلبة الجامعيين والباحثين عن العمل من الجامعيين المتخرجين حديثا فحدث ولا حرج، فقد يصلهم استدعاء المشاركة في إحدى مسابقات التوظيف بعد أن يتم إجراؤها وحتى تنصيب الناجحين في مناصبهم في حين يتيه المحامون والمحضرون القضائيون في هذا الحي كذلك، ويضطر المحامون والمحضرون أمام هذا الوضع لإشهار قضايا موكليهم في جدران مقر القطاع الحضري العاشر لتصبح قضايا السكان كلهم مع الخصم مكشوفة للعام والخاص. والغريب في الامر أن أعوان مؤسسة سونلغاز و"سيور" يعرفون "عناوين العدادات جيدا" وتأتي الفواتير في موعدها المحدد بينما لا يتم استقبال الشكاوى الخاصة بتعطلات العدادات أو الشبكة بحجة أن الأعوان لا يعرفون موقع العطب، كما يقول أحد سكان هذا الحي الذي أصبح سكانه يتواصلون مع الإدارات العمومية بالهاتف المحمول، لأن شبكة الهاتف هي الأخرى غير متوفرة أصلا.