قطب التيار الصوفي في الجزائر، محمد بن بريكة في حوار لـ”البلاد”: أيها السلفيـون... لسنـا أهـل بدع وشـرك!

04/03/2014 - 22:03

"أرفض إطلاق لقب “السلفية” على طائفة لها زي خاص وسلوك خاص وتعتبر نفسها المصدر الواحد الوحيد للحق ولفهم الدين”
اتهم قطب التيار الصوفي بالجزائر الداعية والباحث محمد بن بريكة التيار السلفي في الجزائر بتكفير الناس واستغلال مناصبهم في المؤسسات التربوية والتعليمية لدعوة الناس إلى تبني أفكارهم، وتوجهاتهم، وقال بن بريكة بأن السلفيين يقومون بسحب المصاحف المكتوبة برواية حفص من المساجد ويضعون بدلها مصاحف ورش، ويحاولون أن يلصقوا تهمة البدعة والشرك بأرباب التصوف وبكل من خالفهم في المنهج والسلوك، وفرض كتب الحديث التي ألفها الألباني وأمثاله على الطلبة في الجامعات والباحثين، في المكتبات والمساجد، واستيراد الفتوى من المشرق العربي، والالتزام بلباس لا علاقة له بأصالة الجزائريين، والادعاء بأنه لباس السنة حتى أن بعضهم ألزم الصبيان على ارتداء هذه الألبسة وحرمهم من الاستمتاع بطفولتهم وبراءتهم، كما اتهم هذا التيار بمحاربة إحياء المولد النبوي الشريف بالمطويات والكتب  والدروس، ومنع الاحتفال الجماعي الجهري بالمناسبات الدينية الكبرى، ومنع قراءة القرآن جماعة، واستخدام العنف لفرض هذه القناعات على الجماهير الوسطية المسلمة، التسبب في فوضى الفتوى بسبب مخالفتهم الدائمة لما عليه الشعب الجزائري من التزام بالمذهب المالكي وأحكامه، داعيا رموز هذا التيار إلى احترام  الآخر، ولو خالفهم في الدين والعقيدة، فضلا عن من وافقهم فيهما، كما دعا بن بريكة الباحثين والعلماء المنصفين والإعلاميين أن لا يلصقوا لقب السلفية بهذه الطائفة التي صار لها زي خاص وسلوك خاص وجعلت من نفسها المصدر الواحد الوحيد للحق ولفهم الدين، في حين أنهم يمثلون التشدد الذي نهانا ديننا الحنيف كتابا وسنة عنه. 
 أين تكمن أهمية الزوايا في الجزائر، وما هي الإضافات  التي تقدمها للشعب والبلاد؟
الزوايا والطرق الصوفية هي التي بنت الدولة الجزائرية الحديثة مع الأمير عبد القادر ثم دافعت عن كيان هذه الدولة، من خلال الثورات الشعبية التي قادها كل من فاطمة نسومر والمقراني والشيخ الحداد، ولا يخفى دور الزوايا والطرق الصوفية في تحقيق الاستقرار، وهنا لابد أن نشير إلى مرحلة مهمة مرت بها البلاد، وهي العشرية الحمراء، حيث لم يتورط ولا واحد ينتسب للزوايا والطرق الصوفية في سفك دماء الجزائريين، وهذا دليل على التربية السليمة التي تضمنها الزوايا للأجيال، ومع بداية التعددية السياسية وفتح المجال الإعلامي، نلاحظ أن حركة الصوفية تتربع على كرسي الحب من خلال خطاباتها التي تنسجم مع الوحدة الوطنية وحماية المرجعية الدينية، ومع التداول الجزائري لشؤونهم بروح المسؤولية، والصدق، وتوجد الآن ثلاثة تنظيمات معتمدة أو في طريق الاعتماد تمثل الحركة الصوفية الجزائرية وهي كل من الجمعية الوطنية للزوايا، الاتحاد الوطني للزوايا، والرابطة الجزائرية للزوايا قيد التأسيس، منذ ثلاث سنوات، وهي تنظيمات تعمل جميعا بتناغم وانسجام مع المؤسسة الدينية للدولة المتمثلة في وزارة الشؤون الدينية ومع بقية المجالس العلمية التي تمثل وطننا الحبيب.
 
هل لديكم إحصائيات حول تواجد الزوايا في الجزائر؟
حسب الإحصاء الذي قام به الاتحاد الوطني للزوايا الجزائرية الذي يرأسه الدكتور محمود شعلال، فإن عدد الزوايا عبر التراب الوطني يتجاوز 6000 زاوية ومدرسة قرآنية، تعمل جميعها تحت كلمة واحدة للمشايخ الذين يقدسون شعار الدين والوطن، باعتبارهما وجهان لعملة واحدة، وكان آخر نشاطات الحركة الروحية هو الملتقى الوطني للزوايا بغليزان الذي ترأسه وزير الشؤون الدينية، وكان موضوعه وحدة الوطن وافتتحته أنا.
وهذا العدد للزوايا يدل على أنها مؤسسة روحية ثابتة تحافظ على القرآن وعلى صورة الدين الوسطية، المعتدلة، المحبة للآخر.
واعتبر أن من مفاخر هذه الحركة أنها تعتبر المركز الروحي الثاني في العالم بعد دولة مصر الشقيقة، منذ سقوط بغداد واندلاع أحداث العنف في سوريا، لأن الثقل عاد إلى مصر وبعدها تأتي الجزائر، لأن الأحداث التي تعرفها كل من الشام والعراق دحرجت هذين البلدين، إلى وضع متأخر في ترتيب العواصم الروحية الكبرى في العالم، في حين تقدمت الجزائر عنهما، وأشير إلى أن عودة الاستقرار منذ سنة 2000، جعل السياحة الدينية والحركة الروحية في الجزائر تنتعش، حيث إن وجود الطريقة التيجانية بالجزائر والمركز العالمي للطريقة البلقايدية، وكثافة عدد الزوايا بالجنوب وبأقصى الجنوب وتأثيره على دول الجوار حسم مسألة الترتيب لصالح بلدنا.
كما أنبه إلى وجوب القيام بأمرين مفيدين للفرد وللاقتصاد، ولانتشار السلم وهما السياحة الدينية وتنظيمها وبناء المزارات الصوفية الكبرى والتعريف بمقامات الأولياء والصالحين والعلماء، أمثال سيدي عبد الرحمن، وسيدي امحمد وسيدي يحيى بالعاصمة، وسيدي لخضر  بلمخلوف بمستغانم، وسيدي أحمد بن مصطفى العلاوي بمستغانم أيضا، وسيدي بوزيد، وسيدي عبيد بتبسة وسيدي بومدين بتلمسان،  وسيدي الهواري بوهران، وسيدي امحمد بن عبد الرحمن الجرجري الزواوي المعروف باسم بوقبرين، وسيدي عقبة وغيرهم.
 أنا اقترح بناء مدينة للتيجانية في عين ماضي بولاية الأغواط بالجزائر، لتصبح عاصمة عالمية للطريقة التيجانية، ومن ثم تشجيع السياحة الدينية في الجزائر بحكم أن هناك 350 مليون تيجاني في العالم، لن تكلف الدولة حتى مائة مليون  دولار أو 50 مليون  دولار، على أن يتم تجهيزها بكل المرافقة العامة والعلمية، من جامعة ومستشفى وبرج، وأسواق، وغيرها من المرافق، كما أنها ستشكل قطب مولاة قوي، ويمكن استغلالها كأداة ديبلوماسية في دارفور وفي دول الجوار لحل الكثير من المشاكل في الساحل الإفريقي، وفي إفريقيا بصفة عامة.
إن المتتبع لتوجهات وأفكار أقطاب التيار الصوفي بالجزائر يلاحظ وجود تعارض كبير بين أفكار وقناعات هذا التيار ونظرته للدين مع وأفكار قناعات التيار السلفي، هل هذا دليل على وجود صراع بين السلفيين والمتصوفين في الجزائر؟
ما تسمونه صراعا بين السلفية والصوفية، لا وجود له في أذهان الصوفية، فهذا التيار هو الذي يهاجم الزوايا ومشايخ الطرق، والمرجعية التي تنطلق منها الصوفية، ويحاول أن يلصق تهمة البدعة والشرك بأرباب التصوف وبكل من خالفهم هذا التيار في المنهج والسلوك، وأحب بهذه المناسبة أن أدعو رموز هذا التيار إلى احترام الآخر، ولو خالفهم في الدين والعقيدة، فضلا عن من وافقهم فيهما.
أعترض على صفة السلفية كتيار بعينه، وكما قال المرحوم الدكتور البوطي في عنوان لأحد كتبه “السلفية مرحلة زمنية مباركة لا مذهب إسلامي”، فكل المسلمين على اختلاف مذاهبهم وطوائفهم ينسبون أنفسهم إلى الاقتداء بالسلف الصالح، وأنا أرفض وأرجو من الباحثين والعلماء المنصفين والإعلاميين أن لا يلصقوا لقب السلفية بهذه الطائفة التي صار لها زي خاص وسلوك خاص وجعلت من نفسها المصدر الواحد الوحيد للحق ولفهم الدين، وهذا التيار يمثل التشدد الذي نهانا ديننا الحنيف كتابا وسنة عنه. 
وما هي في نظركم مظاهر التشدد والتطرف التي تعيبونها على هذا التيار أو هذه الطائفة كما تسمونها؟
من بين الممارسات المتشددة التي يقوم بها السلفيون في الجزائر، طريقة معاملتهم للناس في المساجد، وتكفير الناس، والتشكيك في إيمانهم، وإسلامهم، وفرض الأئمة والخطباء والمؤذنين الذين يوافقونهم في التشدد، على المنابر والصوامع، وفرض رواية حفص وسحب كل المصاحف التي توجد في المساجد برواية ورش،  فرض كتب الحديث التي ألفها الألباني وأمثاله على الطلبة في الجامعات والباحثين، في المكتبات والمساجد، استيراد الفتوى من دول بعينها من المشرق العربي، الالتزام بلباس لا علاقة له بأصالة الجزائريين، والادعاء بأنه لباس السنة حتى أن بعضهم ألزم الصبيان على ارتداء هذه الألبسة وحرمهم من الاستمتاع بطفولتهم وبراءتهم، محاربة إحياء المولد النبوي الشريف بالمطويات والكتب والدروس، ومنع الاحتفال الجماعي الجهري بالمناسبات الدينية الكبرى، ومنع قراءة القرآن جماعة، واستخدام العنف لفرض هذه القناعات على الجماهير الوسطية المسلمة،  التسبب في فوضى الفتوى بسبب مخالفتهم الدائمة لما عليه الشعب الجزائري من التزام بالمذهب المالكي وأحكامه إلخ.
في ظل انتشار ما يسمى بالسلفية الوهابية المستوردة من العربية السعودية، هل تلمحون إلى أن التيار السلفي يشكل خطرا على الدولة؟ 
اللامذهبية والسلفية والوهابية وأهل السنة وأهل مدرسة الحديث، ومدرسة الحنابلة، كلها تسميات مترادفة لنفس الطائفة، وتعتبر مرجعيتها الحقيقية أولاة الحنابلة وابن تيمية وابن عبد الوهاب وأخيرا الألباني، وهذا التيار كان يشكل العمود الفقري  للعشرية الحمراء، وأترك التقدير للجهات المكلفة بوضع الاستراتيجية العامة للدولة ولوزارة الداخلية ومصالح الاستعلامات ووزارة الشؤون الدينية لتقدر ما إذا كان هذا التيار يشكل خطرا على الدولة أم لا، لأن هذه المؤسسات هي التي تملك المعطيات الإحصائية الدقيقة بهذا الشأن.
وهل يملك هذا التيار قاعدة شعبية تجعله يشكل قوة للتأثير في الرأي العام والجماهير الشعبية في الجزائر؟
هذه الطائفة كانت تشكل أقلية بدأت بموازاة الثورة الإيرانية بداية الثمانينات، والجهات التي حركتها لها عداء تاريخي مع إيران ومع المد الشيعي والتاريخ الفارسي، ثم تضاعفت مع ظهور التعددية السياسية في الجزائر، وانتشار المعاهد العليا للدراسات الشرعية، ثم ازداد عددها بعد المصالحة الوطنية لأسباب لا تخفى على العاقل، وأرى أنها تمثل خطرا على المرجعية الدينية التي هي أحد ركائز الوحدة الوطنية، ولا أستطيع من موقعي كباحث في الشأن العلمي وداعية إلى المنهج الصوفي أن أقترح الوسائل المناسبة لضبط هذا التسيب الديني الذي له مناحي كثيرة في حياتنا، فهذا الموضوع يجب أن يكون محل بحث مدقق تتعاون عليه جهات ومؤسسات عديدة.
لكن بالرغم من انتقاداتكم، لهذا التيار، إلا أن أقطاب رائدة في التيار السلفي تشغل مناصب مهمة في مؤسسات استراتيجية مثل الشيخ فركوس، والشيخ العيد شريفي، اللذان يدرسان طلبة العلوم الشرعية في جامعة الخروبة، فهل يمكن أن يشكل تولي التيار السلفي لمثل هذه المناص خطرا على الأجيال وتوجهات الرأي العام النفوذ؟
لا أريد أن أسمي فلان أو علان، لكن السلفيين يتواجدون في مؤسسات التعليم، والخطر يكمن في أنهم يستغلون مناصبهم لدعوة التلاميذ إلى منهجهم في المدارس، ويدعون الناس حيثما كانوا إلى تبني أفكارهم وقناعاتهم.
 
باعتباركم باحث متخصص في موضوع النسب الشريف في الجزائر، هل يمكن أن توافينا بمدى تواجد العائلات المنحدرة من ذرية الحسن والحسين رضي الله عنهما أبناء سيدنا علي رضي الله عنه وفاطمة بنت الرسول صلى الله عليه وسلم ؟
أحب أن أؤكد أن البحث المعمق والطويل والعلمي حول النسب الشريف في الجزائر وفي شمال إفريقيا عموما، الغرض منه علمي محظ، وهو المساهمة في الدراسة الخاصة بعلم الأنساب، وأحب أن أقول أيضا بأننا إذا بحثنا في النسب النبوي الشريف، سنجنب أبناءنا بعض الدعاوي التي تقول بأن  بين أظهرنا من يعادي أهل البيت، مع وجوب التنبيه إلى أن هناك تيار يريد أن ينتقص من شأن آل البيت تحت قناعات دينية معروفة.
لكن نلاحظ أن أغلب الجزائريين لا يعلمون نسبهم، ولا يعرفون إن كانوا ينحدرون من شجرة الحسن والحسين رضي الله عنهما أم لا؟
هناك سبب تاريخي لعدم كتابة الأنساب الشريفية في الطور الأخير، وهو اعتماد الاحتلال الفرنسي نظام الألقاب الذي بسببه اختفت الكثير من الأنساب الشريفة وآخر المصادر العلمية الدقيقة في هذا المجال، كتاب سلسلة “الأصول في شجرة أبناء الرسول” للقاضي حشلاف لمدينة الجلفة وما جاورها، وقد طبع الكتاب سنة 1929، وهو آخر كتاب ضبط الأنساب. ذلك، لأن 80 بالمائة من أرشيف العقار ملكية الأراضي، وأنساب الجزائريين، تم نقله إلى الأرشيف التركي باسطنبول، ويمكن للجزائريين أن يبحثوا عن أنسابهم وأصولهم في أرشيف اسطنبول، وسيعثرون عليه.
وأشير في هذا المقام إلى أن النسب النبوي يعرف من طريقتين، الطريقة الأولى هي التواتر، وهو يحفظ نسب الكثير من الأعراش والعائلات الجزائرية، والطريقة الثانية هي التدوين العلمي المكتوب والمسمى شجرة النسب، ويسمى العمودي النسبي، ويضعه علماء الأنساب.