اختطاف الأطفال بين تصفية حسابات والمتاجرة بالأعضاء

02/08/2014 - 1:28

* إحصائيات لا تبشر بالخير 
 
لايزال مسلسل اختطاف الأطفال كابوسا يهدد العائلات الجزائرية منذ عدة سنوات، مخلفا وراءه حالات من الرعب والذعر لدى الأسر بسبب فلذات أكبادها. هذه الظاهرة التي تعد غريبة ودخيلة على مجتمعنا انتشرت مؤخرا بشكل كبير، حيث أصبحنا نسمعها ونتعايش مع أحداثها عبر مختلف وسائل الإعلام. وتبقى أسباب الاختطافات تتراوح بين أسباب شخصية بدافع الغيرة مثلا أو الحصول على ميراث أو ما شابه ذلك. وتم اكتشاف عصابات ومنظمات تدير هذه العمليات بأجندات وأهداف مختلفة.
وانتشرت ظاهرة اختطاف الأطفال من أمام المدارس وفي الحدائق وحتى العمارات، "خطف ومتاجرة بالأعضاء واغتصاب"، جميع الأساليب تمت ممارستها على هذه الشريحة، حيث تم اكتشاف شبكة تمتد خيوطها حتى ألمانيا وتركيا، تقوم بالمتاجرة بكلى الأطفال مقابل الحصول على سيارة أو مبلغ يعادل 10 آلاف أورو ويتم ترحيل الأطفال إلى عيادات بالخارج لنزع الكلية على أن يتم إرسال السيارة أو مبلغ المال بعد عودة الضحي. والعملية منظمة في ظل هذا العدد الكبير من المختطفين إذ إنهم لا ينتمون كلهم إلى عائلات غنية أو ميسورة. وحسب المصالح الأمنية التابعة للعاصمة الجزائر فإن 20٪  من المختطفين ينتمون إلى عائلات فقيرة وأحيانا عائلات فقيرة جدا.
لا يمكننا أن نتحدث عن اختطاف الأطفال دون أن نتذكر عملية اختطاف الطفلين إبراهيم حشيش وهارون زكريا بودايرة في ولاية قسنطينة، بعدما تم العثور على جثتيهما في أكياس بلاستيكية سوداء داخل حقيبة سفر خضراء بإحدى ورشات البناء التابعة للوحدة الجوارية 17، وقصة قتل الطفلة شيماء وسندس وغيرهما من أطفال الجزائر الذين نالت منهم أيادي الإجرام وأصبحت ترهب وترعب الجزائريين.
 
الأرقام الرسمية لعمليات الاختطاف لا تبشر بالخير ..
 
تم تسجيل 28 حالة اختطاف خلال شهر واحد سنة 2000، كما تم الاعتداء أو قتل 367 طفلا، واختفاء 841 طفلا  خلال 2001 وبداية 2002 ، تتراوح أعمارهم بين 4 و16 سنة، وأحصيت أكبر نسبة سنة 2002 باختطاف 117 طفلا من بينهم 71 طفلة، ليرتفع عدد المختطفين في 2004 إلى 168 طفلا، وفي سنة 2007 سجل 632 اعتداء، بينما وصلت حصيلة فرضية الخطف والاغتصاب إلى 1546 حالة. وهناك إحصائيات تشير إلى أنه تم اختطاف 500 طفل تتراوح أعمارهم  بين 4 و13سنة سنة 2008، عثر على 23 منهم مقتولين والبقية لم يتم العثور عليهم، ومعظم الواقفين وراء هذه الحالات لم يكونوا غرباء عن الأطفال، بل غالبا ما يكونون من أقاربهم، حيث تم تسجيل حوالي 20 حالة اختطاف من هذا القبيل سنة 2008 ، وسجلت مصالح الشرطة حالات الاختطاف هذه في المدن الكبرى وتأتي في مقدمتها الجزائر العاصمة ووهران وعنابة، وتم تسجيل 220 حالة اختطاف في سنة 2012 . هذه الظاهرة الخطيرة استلزمت تجنيد مصالح الدرك الوطني، لمعالجتها عبر مختلف التراب الوطني، بعدما عرف عديمو الضمير كيف يستغلون هذه الفئة لتشكيل عصابات أشرار لخطفهم، ومساومة أوليائهم وتهديدهم بالقتل وطلب فدية تفوق الخيال.
جل عمليات الخطف هذه تقوم بها شبكات إجرام منظمة، تطلب فيها فدية من عائلة الطفل، مقابل تسليمه في مناطق مهجورة، كما شهدت بعض عمليات الاختطاف نهايات مأساوية، كاغتصاب الأطفال ثم قتلهم ورميهم، وهناك من تعرضوا للاغتصاب ثم أعيدوا.
 
المختطفون يستهدفون أبناء الأثرياء والعائلات الهامة..
 
يستهدف الخاطفون أبناء العائلات الثرية حيث يتم استدراج الأطفال من طرف العصابة المختطفة إلى مكان مهجور والإجهاز عليه، ومن ثم  الاتصال بعائلتهم ومساومتهم بطلب فدية معينة، كما يقومون بخطف القاصرات دون سن السادسة عشرة ليتم بعدها اغتصابهن بطريقة وحشية ومخيفة للغاية من قبل أفراد العصابة، إذ لم يعد يمر أسبوع واحد دون أن تسجل المصالح الأمنية من درك أو شرطة شكوى اختطاف.
أما الممارسات المافيوزية التي تعني عصابات منظمة متخصصة في الإجرام بالأطفال وبالتالي المتاجرة بأعضائهم والتي في أغلب الأحيان تكون منظمات عالمية خارجة عن أفراد المجتمع الجزائري، كما يتم طي ملف القتل بأمر من وكيل الجمهورية في مرات عديدة بعد أن تدفن الضحية ويسجن الجلاد، فيما تبقى أسباب هذه الجرائم والدوافع التي تحرك أصحابها مجهولة، كما أن عددا كبيرا من حالات الاختطاف تتم تسويتها بإعادة الأطفال إلى ذويهم والتي عادة ما تكون مرتبطة بنزاعات عائلية أو تسوية حسابات شخصية، إلا أن هناك حالات أخرى طالت أشخاصا يعانون إعاقات ذهنية، تم اختطافهم وقتلهم.
 
اختطاف للمتاجرة بالأعضاء أم لتصفية حسابات.....؟ 
 
تبقى ظاهرة اختطاف الأطفال تخيف العائلات الجزائرية مما جعلها تضطر لمرافقة أبنائها إلى المدرسة وعدم السماح لهم بالخروج إلى الشارع بمفردهم، رغم الصخب الإعلامي وتنديدات الحقوقيين والحركات الجمعوية بمختلف أطيافها، بات أمرا مقلقا للغاية ويستدعي دراسته على أنه ظاهرة مصحوبة بالقتل، فهل نحن أمام شبكات تتاجر بالأعضاء البشرية، أم تصفية حسابات، أم القتل من أجل القتل وفق نظرية الفيلسوف لمبورزو الذي يؤكد وجود مجرمين بالفطرة، أم هو تكريس اللاعقاب وتعطيل تنفيذ عقوبة الإعدام الذي جعل المجرمين يتجاوزون الخطوط الحمراء؟
الاختطاف لا يمت بصلة إلى تقاليد مجتمعنا ولا إلى ثقافتنا الإسلامية، ما يجعل منه شعبا يرفض كل الرفض مثل هذه الممارسات. صحيح أن الظاهرة غير معممة، لكنها تبقى موجودة وتفرض نفسها بقوة، ويكفي تسجيل حالة واحدة من الاختطاف والقتل لترهيب شعب بأكمله.
 
على المشرّع الجزائري تسليط أقصى عقوبة على الخاطفين..
 
كثرت التأويلات عن أسباب اختطاف الأطفال دون الوصول إلى إجابات مقنعة وبقيت مجرد ألغاز، ويبقى أنه يجب على السلطات المعنية أن تسلط عليهما أقصى عقوبة لتحرير المجتمع من هذا الرعب الذي فرضته عليه شرذمة من المجرمين، كما يجب أن تكون العقوبة صارمة وردعية لكي تكون عبرة لمن يريد ارتكاب الجريمة في حق أي كان خاصة الأطفال والقصر والمستضعفين.
وفي هذا الخصوص، يرى رجال القانون أن اختفاء الأطفال المسجل في الماضي كانت تنتهي عند إيداع شكوى من طرف العائلة، فعندما لا يعثـر على جثة الطفل ولا تتوفر الأدلة لتوقيف الجاني، تقيد القضية ضد مجهول، مبرزين أن عقوبة الإعدام التي أصبحت مطلبا شعبيا، بعد استفحال هذه الجرائم، ليست الحل لاقتلاع الظاهرة من جذورها، لأن المتورطين في هذا النوع من الجرائم يمكن أن يكونوا موضوع دراسة لتفسير وتحليل الظاهرة، فاعتراف القاتل بجريمته وثبوت أنه مريض نفسيا، يعفيه من العقوبة، فلا بد من فتح نقاش وطني بمشاركة كل الفاعلين في المجتمع، حول هذه الملابسات التي حدثت في فترة وجيزة ودراستها بجدية، دون اللجوء إلى قرارات ارتجالية فقط من أجل إطفاء الرغبة الشعبية في رؤية المعتدين يُعدمون، معتبرين أن تنفيذ عقوبة الإعدام هي الحل عندما تستفحل الظاهرة.
 
أطباء نفسانيون يقرون بأن الخاطفين غير أسوياء
 
ترى الطبيبة النفسانية "ب.س" أن المتورطين في هذه الجرائم غير أسوياء ويصنفون في قاعدة الشذوذ والمرض النفسي، وأنهم يعانون من قلق قد يوجه نحو تدمير الذات والآخر، وحدها الخبرة العلمية يمكن أن تحدد درجة ذلك،  إن كان هذا الشخص مريضا إلى درجة أنه فقد عقله، أو أنه مريض يمتلك القدرة على الحكم، وبالتالي يدخل تحت طائلة العقوبة، فجريمة الإعدام تردع وتقلل من حالات الجريمة بنسب معيّنة، ذلك أن النفس حق من حقوق الله تعالى، لذا يتوجب حسبها، النظر جيدا في الأدلة العلمية والجنائية المتوفرة والخبرة القضائية وتوفير حق الدفاع للمتهمين، حتى وإن اعترف المتهم بارتكابه جناية القتل، مضيفة أنه  بمجرد تفكير  شخص ما في الجريمة والترصد للطفل، تتوفر ظروف التشديد التي تؤدي تلقائيا إلى الحكم بالإعدام الذي يبقى من مطالب أهالي الضحايا، كما أنه بمجرد الوقوف على جريمة تتكرّر، ينبغي تنفيذ الإعدام للردع ووقاية المجتمع، مؤكدة أنه لا يمكن لأي مجرم أزهق روحا أن يتذرع بأي حجة "ويجب أن نتوجه إلى تنفيذ عقوبة الإعدام للحدّ من الجريمة".
وأضافت أن وسائل الإثبات في الإسلام محدّدة ولا يمكن تجاوزها، إلا أن القانون الوضعي لا يتوفر على الضمانات المتوفرة في الشريعة الإسلامية، مشيرة إلى وجود نسب من التشكيك في محاضر الشرطة التي تثبت إدانة المتهمين، وكذا "قرارات السلطة القضائية التي تعدّ غير كاملة الاستقلالية عن الحياة السياسية".
 
التبليغ عن الاختطاف والتنسيق مع الأمن أول مفاتيح إنقاذ الأطفال
 
شددت فرق حماية الأحداث الموزعة على التراب الوطني على جملة من الإجراءات للحد من ظاهرة الاختطاف، أهمها إبقاء الأطفال الأقل من سن التمدرس تحت إشراف مباشر من أوليائهم، والحرص على تعليمهم الاسم الكامل لهم وأسماء آبائهم ومكان السكن، وإن أمكن مكان عمل الأب والأم، فضلا عن محاولة تحفيظهم رقم الهاتف، إضافة إلى منعهم من الذهاب مع الغرباء وفي حالة استدراجهم يجب عليهم التعود على طلب المساعدة بالصراخ والهروب إلى المنزل أو أقرب مكان تثق فيه العائلة، وتعليمهم كيفية الاستنجاد برجال الأمن من الدرك والشرطة في حالة الحاجة، ومعرفة المكان الذي يلجؤون إليه للعب فيه وأصدقائهم إن وجدوا.
أما بالنسبة للمتمدرسين فيجب تعليمهم وإشعارهم بأن المكان الآمن الوحيد هو المنزل، وتلقينهم عدم الثقة بالغرباء، مع الحرص والتشديد على الطفل ألا يركب سيارات الغرباء وتشكيكهم في دوافع هؤلاء، وبالنسبة للمراهقين فيجب توعيتهم بأن الوقت غير مناسب لمنحهم الحرية الكاملة.
هذا وتقوم فرقة حماية الأحداث بسيدي يوسف ببني مسوس، بعمل تحسيسي لحماية القصر الذين تبين أنهم أكثر وعيا بخطورة الجرائم التي تستهدفهم من أولياء أمورهم الذين يرتكبون أخطاء فادحة في مراقبة أبنائهم، حيث يطالبون بالحرص على أن يكون لأطفالهم أصدقاء لتجنيبهم الوحدة، وتجب معرفتهم ومعرفة أرقام هواتفهم إن أمكن ذلك، والتشديد على منعهم من تناول أي نوع من الأطعمة أو المشروبات أو الأدوية من الغرباء والتي من الممكن أن تحتوي على منوم أو مخدر يفقده الوعي أو القدرة على التصرف.
ويبقى التبليغ أو مد مصالح الأمن بالمعلومات اللازمة في وقتها يجنب الوقوع في مآسي هذا الإجرام الذي يتطلب المعالجة الأمنية الصارمة، لأن الجريمة لا تختار شخصا دون غيره وإنما تستهدف البراءة والجميع مهدد، والذي يتطلب تنسيقا أمنيا متواصلا مع كل التشكيلات الأمنية  لخطورته على استقرار المواطن وأمنه، الأمر الذي جعل المشرع الجزائري يعتبر جريمة الاختطاف من أخطر الجرائم التي تمس حرية الفرد وحقوقه، والعمل على تشديد العقوبات في بعض مواده، والمادة 291 من قانون العقوبات تنص على المعاقبة بالسجن المؤقت من خمسة إلى عشرة سنوات كل من اختطف أو قبض أو حبس أو حجز أي شخص دون أمر من السلطات المختصة، وخارج الحالات التي يجيز أو يأمر فيها القانون بالقبض على الأفراد.