الفائز بجائزة مهرجان "شموع لا تنطفئ" الشّاعر بغداد سايح لـ"البلاد" :"المواقف السياسية للشعراء الشباب متسرعة وتميزها الوقاحة!"
26/03/2014 - 21:35
يحمل اسم حضارة، ويكتب الشّعر وكأنه يعزف على قيثارة. بغداد سايح ابن مدينة تلمسان العريقة والذي اعتاد على التتويجات الأدبية داخل الوطن وخارجه، وعلى عشرات الجوائز الأدبية ذات الشهرة الوطنية كجائزة "محمد العيد آل خليفة" لعام 2010، وجائزة أوّل نوفمبر لسنة 2013. ورغم صغر سنّه "من مواليد 1983"، وافتراض أن يكون محاميا بحكم شهادة الليسانس في الحقوق التي يحملها؛ إلا أنّ القدر اختاره ليكون بحّارا في عالم الشّعر، ومدافعا عن قضايا يراها لا تقلّ أهمية عن المحاماة. ويكشف سايح في هذا الحوار عن بعض آرائه في مواضيع أدبية، وذلك على هامش نيلة جائزة ملتقى "شموع لا تنطفئ" الأدبية بمدينة وهران.
- نلت هذه الجائزة في وهران وأنت من الغرب الجزائري.. هل تعتبر نفسك شاعرا جهويا، أم أنت مسموع صوته في كلّ الجزائر؟
نيلي لجائزة أدبية في "الباهية" المدينة الشاعرة وسامٌ آخر أعلّقه في جدران الذاكرة.. طبعا نشاطي الدائم في العالمين الواقعي والافتراضي لا يجعلني شاعرا جهويا بل يتعدى مفهوما نمطيا للشاعر الوطني.. أعتقد أن بغداد سايح شاعر الكلمة "كن"، بهذا أكون لبوحي اتساعا وامتدادا لا يؤمن بحدود جغرافية أو تاريخية، ذلك أنني أمنح للكتابة وهجها الإنساني وانسيابها الكوني، وجدتني شاعرا مسموع الصوت في كل قلب يعشق كلماتي.
- اعتدتَ على افتكاك المراتب الأولى في كلّ المسابقات الشّعرية.. ما سرّ ذلك؟
أعتقد أن افتكاك المراتب الأولى في المسابقات الشعرية هو مسألة توفيق، في بعض الأحيان تتفق نصوصي المشاركة مع معايير التحكيم وفي أخرى أخفق، كذلك لا يمكنني الفوز أمام أعضاء لجنة فيها عضو يحسدني أدبيا، لهذا أجد الأمر متعلقا بالحظّ الذي يجلب نصّا جيّدا إلى محكّمٍ أجود، الأرجح أن نصوصي الفائزة بالمراتب الأولى سارت في طريق النقد الرصين الموضوعي.
- ألا ترى في استحواذ نفس الأسماء على الجوائز إقصاء لمبدعين آخرين؟
بالعكس.. أرى استحواذ نفس الأسماء على الجوائز فرصة لرفع سقف التحدي لدى هؤلاء المبدعين.. لم يكن بغداد سايح إلا واحدا من هؤلاء الذين يحاولون مزاحمة أسماء سبقته إلى اكتشاف المنابر الشعرية، الأهم أن تكون هناك رغبة في الكتابة و الاشتغال جيّدا عليها، أنا لست أفضل من المبدعين الذين لم ينالوا جوائز أدبية، الفرق بيني و بينهم هو الإصرار على احتلال مكانة في المشاهد الأدبية الذي تعتبر الجائزة مشهدا منها.
- ألم يحدث أن فكّرت في الاعتذار عن قبول أي جائزة وأنت الذي صرّحت مرة أنك لم تكن الأحسن في كلّ الجوائز التي تحصّلت عليها على اعتبار أنّها في الجزائر تحكمها الصّداقات كما قلت دوما؟
لباقتي المعروفة تمنعني من الاعتذار عن عدم قبول الجائزة، أؤكد أنني لست أشعر الشعراء ولا أحسنهم غير أنني أحاول، معيار الصداقات موجود في الكثير من الجوائز ليس في الجزائر فقط بل في كل العالم، أتمناها صداقات مع نصّي لا شخصي فقط.. رغم ذلك تبقى للجائزة نكهتها الخاصة حين تجعل اسم الأديب متداولا رغم ما يشوبها من انتقادات، شخصيا لا يمكنني أن أتنازل عن جائزة أدبية احتراما لفكرة التشجيع مهما قيل عن سلبياتها.
- يقال إنّ الشّعر يتجدّد وأنت تكتب القصيدة العمودية المعروفة بشكلها ومضمونها، فأي جديد أدخلته عليها؟
التجديد لم يكن ولن يكون أبدا في الشكل والمضمون، لا توجد قصائد حقيقية إلا تلك التي أرسى ضوابطها الأوّلون، التجديد في نظري هو تطوير صناعة النص، الإنسان معروف بهمومه ومسراته وقضاياه الشائكة منذ الخلق لذا كان التجديد في مناحي التعبير، الاشتغال على لغة شعريّة تواكب أساليب الذات المبدعة قمة التجديد في اعتقادي، الالتفات إلى اللغة لا إلى الجدليات العقيمة أهمّ، لنترك قصائدنا تتجدد على ضوء اللغة والفكر.
- المرأة موضوع حاضر في كلّ قصائدك.. من تخدم الأخرى الأكثر، المرأة تثري قصيدتك أم قصيدتك تجمّل امرأتك؟
ما أكتبه أشبه بقطعة نقدية وجهها القصيدة وظهرها امرأة، حتى في قصائدي الوطنية تحضر المرأة شفّافة الهمس، كذلك تحضر القصيدة في قارئاتي فتثير حماسهنّ، بين القصيدة والمرأة غيرة شديدة عليّ، أراهما يردن امتلاكي في حين أمتلكهما بالكتابة، ربما نرجسيتي العالية جعلتني أبصر المرأة تسابق القصيدة في مضمار البهاء.. أظنني ارتكبت البوح جرما في حقهما فلم أوفّق في إقامة العدل بينهما، في مرات كثيرة أحب القصيدة أكثر من المرأة والعكس صحيح.
- يعاب عليك أنّك شاعر مناسباتي.. ما تعليقك؟
أعترف أنني شاعر مناسباتي بامتياز، لا أرى ذلك عيبا فكبار الشعراء كتبوا الأروع في المناسبات، أجد ذلك تحدّيا وفّقت فيه لإظهار مدى تمكّني من القصيدة الجموح، الشاعر القدير هو من يستطيع أن يمتطي قصيدته متى شاء و يذهب بها بعيدا على تضاريس المعنى، شاعر مثلي لا يتحرّج من فكرة المناسباتية بل هي شرف لي، لا يتمكن من فنّ الارتجال إلا الشعراء الفحول الرجال.
- في الآونة السنوات الثّلاث الأخيرة خرج العديد من الشعراء المعروفين وطنيا و أعلنوا اعتزالهم للشّعر والكتابة.. هل تصدق هذا، وهل يمكنك الاعتزال؟
هي مجرد فرقعات إعلامية جاءت من شعراء فاشلين، الشعر والكتابة ليست كرة قدم نعتزلها أو منصبا نستقيل منها، الشعر حياة للإبداع و الكتابة روحه، بصراحة لا يمكنني أن أتوقف عن تنفس الشعر لأنني أكتبه في القلب دوما، الشعر هوائي الذي دخل رئتيّ لحظة الولادة، ربما كان من الأولى أن تسألوا الشعر إذا فكّر في أن يعتزلني، أرى الشعر الذي أكتبه صديقا حميما يرافقني في دروب الإبداع، سنصل معا إلى قمة الإبداع التي ننشدها.
- هل تعتبر الشعراء الشباب أكثر جرأة سياسيا من شعراء المراحل الماضية؟
لا أعتقد ذلك أبدا، شعراء المراحل الماضية أكثر جرأة لأن ظروفهم كانت أقسى، المواقف السياسية التي يتبناها الشعراء الشباب سياسيا جاءت متسرعة تميزها الوقاحة أحيانا، بعض النصوص للأقلام الشابة أراها تطاولت على رموز سياسية دون الاشتغال فنيا، الجرأة غابت وعوضتها الوقاحة حين يصير الشعر أداة إهانة لا وسيلة وعي، طبعا هذا لا يعني أن كل الشعراء الشباب عبّروا عن مواقفهم السياسية بتلك السلبية، أرى الجرأة لا تنبت إلا في ضوء احترام للآخر.
- بعد كلّ هذه الجوائز والتّكريمات، أين يضع بغداد سايح نفسه شعريا بين شعراء الجزائر؟
لا يمكنني أن أضع نفسي في خانة ما أمام هؤلاء الرائعين، أترك ذلك للنقّاد الموضوعيين الذين أؤمن بوجودهم رغم قلّتهم، لا يهمّني أن أضع نفسي بين شعراء الجزائر ولا حتى بين شعراء العالم، الأهم أن أضع نفسي في خدمة الكلمة الطيبة التي أغرسها بسمة في شفاه قرّائي، أنا شاعر لا تفرحه الجوائز ولا يحزنه عدم الحصول عليها بل وحده الخلود يسعدني، لن تحزن قصائدي إذا متّ أو أخفقت بل ستحزن كثيرا إذا لم أترك لصداها البقاء.