الروائي بشير مفتي يؤكد لـ"البلاد": "علينا الانطلاق من الجزائر وعيب أن يأتي كاتب بشرعيته من الخارج"
22/03/2014 - 20:34
"الاختلاف" دار نشر خاصة ونحن أحرار في أن نطبع لمن نشاء
يكتب لأنه يحب أن يكتب، وليس لأنه يجب عليه أن يكتب.. بهذا النّفس الجميل دخل بشير مفتي الروائي الجزائري الشاب عالم الكتابة فتألق وأبدع.. ما بين شاعرية النّص وفلسفة عوالمه الحبرية؛ أثرى المكتبة الجزائرية والعربية بأعمال رنّ جرس تأثيرها حتى وصل بروايته "دمية النّار" للائحة قائمة القصيرة لجائزة "البوكر" لموسم 2012 كأوّل جزائري يصل تلك المرحلة. صاحب "أشباح المدينة المقتولة" وإبداعات أخرى، والحاضر في عشرات معارض الكتب والمهرجانات الأدبية العربية والعالمية؛ يتحدّث لـ"البلاد" في حوار شفّاف بعيدا عن "روتينية الأسئلة" وبه الكثير من الإسقاطات السّياسية الرّاهنة على السّاحة الوطنية المعطرة برائحة الأدب التي لا يستطيع المبدع التخلص منها مهما حاول.
- أين بشير مفتي الكاتب من كلّ ما يحدث في الجزائر؟
أظن الكتّاب مثل بقية الناس، حيث تجدين الذي يتفرج والذي يتفاعل مع أو ضد، ومن ينتظر إلى أين ستؤول النتيجة حتى يقرر، وهنالك من يحاول أن يلعب دورا ويقول رأيا سديدا، وأنا مع هذه الفئة الثالثة.. فئة المنخرطين في واجب الدعوة للتغيير السلمي الديمقراطي الحقيقي.
- وهل تعتزل مسرح الأحداث حتى تحضر بطريقتك الخاصة إبداعيا؟
أنا شخصيا عندي مواقفي وعبرت عنها بكل وضوح وصراحة ولا أعتقد أن الكاتب يستطيع الانعزال في مراحل تاريخية معينة؛ بل عليه أن يكون مع صوت شعبه وصوت مبادئه.
- يُتهم الكاتب الجزائري المتواجد داخل حدود الوطن بالجبن وضبابية مواقفه السّياسية، والمقيم خارجها يتّهم بالعمالة.. ما رأيك؟
صحيح.. تعودنا على ذلك في الجزائر، فما أسهل أن تتهم بأي شيء ولا يهم إن كانت التهمة صحيحة أم خاطئة ولكن على الكاتب أن لا يخاف أو يحسب لذلك حسابات كثيرة؛ فحسبه أن يرضي ضميره أولا وقبل كل شيء ويدافع عن مصلحة بلده حتى لو تعارضت مع الأقوى.. هذا واجبه وتلك هي قضيته.
- المتتبّع لشخوص رواياتك يتعب من انهزاميتها واستسلامها لقدرها.. لماذا يفضّل بشير مفتي هذا النّوع من الشّخصيات مع أن الشّخوص في الواقع لم تعد كذلك؟
أبطالي يدافعون عن وجودهم بكل قوة ويحاولون أن يثبتوا حضورهم في الحياة لكن عادة ما تهزمهم الظروف لأن المعركة صعبة وقاسية بين الفرد والمجتمع خاصة إذا كان الفرد يريد تحقيق أحلامه في واقع مسيّج بالكوابيس، لكنّهم يحتفظون بالحلم ويقاومون من أجله وأنا لا أراهم منهزمين بل مقاومين شرسين .
- أبطالك الحبريون هل هم امتداد لك أم مخلوقات منفصلة من صنع مخيّلتك الإبداعية؟
لا يوجد شيء منفصل عن الكاتب ما دمنا لا نخلق من عدم بل من خلال تجاربنا في الحياة وقراءاتنا للواقع وتفاعلنا مع الحياة.. بالتأكيد هناك في الشخصيات شيء مني، شيء من روحانيتي، من حساسيتي، من فلسفتي، كما من تجارب الحياة التي عشتها لكن طبعا لا أكتفي بذلك فالخيال يلعب دورا كبيرا في صناعة الشخصيات وبناءها وتصوراتها.
- اتهمت أنت وجيل كامل من الكتّاب ظهر معك سنوات "العشرية السّوداء" بالتكريس لما اصطلح على تسميته بــ"الأدب الاستعجالي".. الآن وبعد مرور سنين ونضج تجربتك الرّوائية؛ أمازلت مصرا على رفض ذاك الاتهام؟
هي ليست تهمة لي بل فكرة طرحت في فترة التسعينيات حول استعجالية الكتابة عن العنف والحق كانت مطروحة في سياق الكتابة بالفرنسية وليس العربية ولا أدري من أسقطها على الذين يكتبون بالعربية.. أنا لم أكتب باستعجالية وأصلا الرواية عندي تأخذ أكثر من سنة لأنتهي منها ولهذا أسخر من الفكرة ذاتها. ربما قصيدة تكتب باستعجال أما الرواية فلا، وأيضا من يكتب عن فترة العنف ليس بالضرورة يكتب في هذه الاستعجالية. هو يكتب عن مرحلة عنيفة وهامة من تاريخنا وهو يذكّر بها ويجب أن نتذكرها لكي لا نكرر المأساة مرة ثانية وثالثة لأن البعض ينسى بسرعة. دور الأدب هو تذكير هؤلاء بهول المأساة وآثارها على حياتنا حتى اليوم.
- ما الشيء الجديد الذي أضافه بشير مفتي لفن الرّواية الجزائرية؟
هذا يجيب عنه النقاد إن كان هنالك نقد جاد وموضوعي.. يكفيني أنني كتبت روايات وما زلت منخرطا في الكتابة الروائية بشغف وحب.
- الوصاية مورست عليكم كجيل جديد، هل تحرّرتم منها وهل ترفضون ممارستها على الجيل الذي يليكم على اعتبار أنّ القديم دائما يستصغر الجديد؟
لا أحد يستطيع أن يكون وصيا على أحد إلا إذا أرادها هو أو قبل بها. أنا أنتمي لمرحلة ما بعد أكتوبر 1988 وهي فترة الخروج من الحزب الواحد والوصاية السياسية ورفض الأبوية يعني شخصيا لم ولن أقبل أن يكون أي واحد وصي عليّ لا سياسيا ولا أدبيا، وبطبيعة الحال إذا كنت أرفض ذلك فهذا يعني أنني لن أكون وصيا على أحد .
- قلت مرة إنك تريد من الجزائر أن تمنحك شرعيتك ككاتب، فهل حصلت عليها؟
كانت فكرتي أنه علينا أن ننطلق أدبيا من الجزائر وليس من الخارج لأن الكثير من الأدباء كانوا يأتون بشرعيتهم الأدبية من الخارج واعتبرت هذا عيبا ونقصا كبيرا يجب تداركه بسرعة.
- في عام 2012 وصلت روايتك "دمية النار" للقائمة القصيرة لجائزة "البوكر" لكنها لم تختر كأحسن عمل روائي. برأيك أين كان الخلل؟
لا أدري ولا يهمني شخصيا ويكفي أنني الروائي الجزائري الوحيد الذي وصل للقائمة القصيرة حتى الآن، والحق أن لجنة التحكيم في تلك الدورة كانت مميزة بأسماء مهمة مثل جورج طرابيشي الذي عبّر لي عن إعجابه الكبير بالرواية كما عبّر لي المستشرق الإسباني أنه دافع عن روايتي في اللجنة.هذه هي الجوائز يجب أن نقبل بها عندما نشارك فيها سلبا أو إيجابا .
- كتّاب شباب كُثُر يقولون إن "منشورات الاختلاف" لا تتعامل إلا مع أسماء معيّنة تربطها بها صداقات.. ما تعليقك؟
ليقولوا ما يرغبون فـ"الاختلاف" دار نشر خاصة ولها كامل الحق أن تنشر لمن تحب.. ما دخلهم؟ لسنا وزارة ثقافة حتى يطالبنا البعض بأن ننشر للجميع. نحن دار نشر خاصة نطبع من مالنا الخاص الأعمال التي نقيّمها ونقول إنها جيدة وتستحق النشر، ونرفض الأعمال التي نريد، أي تلك التي لا تتوفر فيها الشروط التي نقبل بها عملا للنشر. هنالك من يطرحون هذه الأمور وتبدو لي سخيفة جدا ولا أفهم لماذا يطرحونها فقط على "الاختلاف". ليذهبوا لدور نشر أخرى تعج بها البلد اليوم ويطرحوا عليها نفس الأمر. أستغرب حقا.. ولحد الساعة اختياراتنا ليست مبنية على المجاملة بل على جودة العمل، ووصول الكثير من منشوراتنا لجوائز عربية دليل على ذلك.
- هل ستنتخب؟
لا.. أنا أؤمن بالديمقراطية ككل وليس فقط في شطر تقني مثل الانتخابات وعندما نصل لتحقيق هذه الديمقراطية سأكون سعيدا أن أنتخب.
- ما جديدك؟
نعيش فترة صعبة في الجزائر ولا أخفيك ليس عندي شيء جديد فعقلي مشغول بكل ما يحدث على أمل أن نخرج سريعا من هذا النفق.